الأحد، 24 أبريل 2011

طوبى لمن يفهم التاريخ بقلم: إحسان أبو شرخ


لاحقت المتتبعين للقضية الفلسطينية مجموعة من الغرائب والطرائف أحيانا عند حديثهم عنها لدرجة دفعت احد الكتاب العرب الكبار  الاستعانة باسم الحمار الوطني في كتاباته اليومية إبان تواجد مقاتلي منظمة التحرير في لبنان والتي تضمنت عدة أسئلة كان أصعبها على الوجدان كما الإدراك لماذا يحدث ما يحدث كما يحدث? استنكارا لدنو الوعي الفلسطيني مقابل بصيرة الحمار ذو الحس الوطني!! وكاستهجان للتناقضات التي اعترت المواقف الفاضحة للأطراف العربية وتقلبها وتزاحمها على التحالف لإضعاف المناضل الفلسطيني بهدف توسيع وحماية عروشها وكروشها التي أتخمتها السلطة والثروة.
وبصراحة لم تكن تلك اليوميات بما خلصت إليه من تقرحات استفهامية لم تكن مغايرة لما نعيشه في هذه المرحلة وان تبدلت الأسماء أو الأرقام التي تؤرخ الأحداث، فالكاتب الذي أرقته تلك المواقف أراد أن يتجنب في هكذا استعارة ملاحقة رجال الأمن له وللصحيفة التي نشرت له بالرغم من أنها أسئلة مجردة من الأجوبة، وكأن عقارب التاريخ لم تتقدم.
فالنقد بغض النظر عن سلامة النوايا والتعبير عن الرأي كان ولازال جريمة تستوجب العقاب، عدا عن استمرار سياسة تطويع الورقة الفلسطينية كما الإعلام العربي من خلال المال باعتبارها السياسة الأمثل لدى الزواحف العربية الحاكمة، بالإضافة إلى تنامي العلاقات المتناقضة والمشبوهة فيما بين الأنظمة كعلاقة أمير الجزيرة بالمستعمر واحتضانه لأكبر قواعده العسكرية وترويجه لنهج الفوضى الخلاقة من جهة وانصهاره في حلف قدس الله سره من جهة أخرى؟ وهو الذي صعد إلى الحكم بعدما حجز والده في حمام قصره ومن ثم قام بنفيه! وكيف لنا أن نؤمن بصدقية زعيم حلف الممانعة بحسب ما يسمى نفسه! وهو الذي قصف شعبه بالطائرات سابقا وأدمى شبعه دما بالرصاص الحي في حين لم يطلق على الاسرائيلى طلقة واحدة منذ احتلت جولانه! إلى آخره من علامات الاستفهام والاستنكار.
ودون إنكار للاختلاف الواضح في منسوب التراجع وحدة الضعف العربي والوطني تجاه الكيان الإسرائيلي ليتحول الصراع إلى نزاعا فلسطينيا إسرائيليا ثم أمسى قتالا فلسطينيا صرفا. ازدادت أمورنا تعقيدا وبلغ الإحباط مبلغ الدم في العروق الوطنية لتتسع معه حدود الأسئلة وليصبح السؤال أكثر صعوبة عما كان عليه قديما لماذا لا يزال يحدث ما يحدث كما يحدث؟! ولماذا لازلنا كشعب فلسطينيي نرزح تحت وطأت هذه الفهم المغلوط بالرغم من تلك التجارب المتتالية والممتدة منذ ما قبل ثلاث قرون من ولادة الحركة الصهيونية و لم نستطيع حتى هذه اللحظة أن نغير منها أو فيها.
هل هذا هو عجز الإرادة الذي يجعل من الأحاسيس شريكة للعقل في إدراك الوقائع وبالتالي تكون شرطا رئيسيا له فتتحول الإرادة لمحدد للمرغوب والممنوع على العقل وقدرته في الفهم والتحليل، كما هو الحال مع الإرادة الجمعية للشعب الفلسطيني بامتناعها عن فهم واقعا لا يمكن أن يسمى أو يوصف أو ينتج سوى حقيقة واحدة هي انه وقع كسبية لمصالح ذو القربى من الدول العربية والإسلامية وهروب هذه الإرادة نحو مشاريع تضليلية قائمة على معطيات شكلية تدعى المناصرة والدعم بينما هي في الحقيقية استخدام سياسي داخليا وخارجيا منها منذ ما يسمى بالثورة العربية الكبرى بل وقبل ذلك، وهى خلاصة لا تحتاج إلى إسهاب في الدلائل فما حدث في جرش الأردن وتل الزعتر وحرب المخيمات والعراق وغيرها من المذابح السياسية والدموية بحق الشعب الفلسطيني خير شاهد عليها.
لقد أصبحت الضرورة تملى علينا أن نتوجه نحو الحقائق بكل ما تحمل من ألم لنا أو تخالف ما نرغب به و إعادة حساباتنا على كافة الأصعدة على أسس واضحة ومتزنة لا تتجاوز المشروع الوطني والبعد عن كل المشاريع التي تثقله دون جدوى وتصويب الكثير من الأخطاء التاريخية والفظائع التي ارتكبنا ها بحق أنفسنا، وان نستفيد من تجارب الآخرين فليس من العيب أن نعود لتاريخ قضيتنا لمعرفة كيف تمكنت الطوائف اليهودية التي كانت تعيش ضمن تجمعات منبوذة ومعزولة عرفت باسم الغيتوات في أوروبا وروسيا القيصرية ومناطق شمال أفريقيا من توظف عناصر ضعفها قبل قوتها كالاضطهاد و اللا سامية والمسيح المخلص ويوم الميعاد وعملها في التجارة وان تجعل من التحولات والثورات التي عاشتها أوروبا وتصاعد طوحها التوسعي قاسما مشتركا بينهما لدرجة جعلت الكولونيالية البريطانية تتبنى الفكرة الصهيونية قبل أن تنشأ المنظمة الصهيونية او توضع أسسها الأيدلوجية لتجعل من حلمها ببناء كيان خاص بها إلى واقعا فدولة فهيمنة رغم آلاف المستحيلات التي واجهته.
إن من الأفضل للسياسة الفلسطينية الارتكاز إلى مبدأ الاستخدام الأمثل لعناصر القوة والضعف ولفظ التعاطي العاطفي مع ذو القربى، وتحرى التوازن في العلاقة مع الخصم والشقيق لإيجاد التحالفات القائمة على المنفعة المتبادلة التي تتحقق من خلالها مكاسب تمكننا من استعادة حقوقنا المشروعة وتعزز عناصر القوة داخليا بإنهاء الانقسام السياسي والفكري فيما بين قادة العمل الوطني وصولا لتوحيد الأدوات النضالية، والكف عن تقديم الخدمات السياسية المجانية لأنظمة وأحزاب تسمى نفسها بالثورية أو الإسلامية تارة وبالقومية تارة أخرى وهى في الواقع أدوات لعالم سفلى خالي من الأخلاق، فالضعف والقوة و الخصم والحليف معطيات قابلة للاستخدام الايجابي والسلبي كما المصالح الوطنية رمال متحركة تبتلع كل من يحاول تخطيها من أصحاب الأجندة الفئوية.
حقوقي وناشط شبابي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق