الأربعاء، 6 أبريل 2011

ليس دفاعاً عن زيارة محمود عباس بقلم:د. مصطفى يوسف اللداوي


ليس دفاعاً عن زيارة محمود عباس إلى قطاع غزة التي تتأرجح بين النجاح والفشل، والتي قد تتم وقد لا تتم، وبعيداً عن اللغط والجدل الكبير الذي دار حولها لجهة توقيتها وأهدافها، أو المعوقات والعقبات التي تعترض طريق نجاحها، إنما هو دفاعٌ عن حق الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة في دعوة واستقبال من تشاء من الأهل والأشقاء الفلسطينيين والعرب وغيرهم لزيارتها، وقد رأى إسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية دعوة محمود عباس لزيارة غزة، التي هي جزءٌ عزيزٌ وغالي من أرض الوطن فلسطين، ومن حق أي فلسطيني أن يزورها وقتما شاء، بدعوةٍ أو بغيرها، فهي أرضٌ فلسطينية حرةٌ وسيدة، قد حررتها المقاومة، وأجبرت بضرباتها الموجعة العدو على الانسحاب منها، وقد دفعت في سبيل حريتها ثمناً كبيراً من حياة خيرة أبنائها، وزهرة شبابها، ومازالت على عهدها من المقاومة والصمود، تحمي غزة، وتدافع عنها، وترابط على حدودها وأطرافها، تصد هجمات العدو، وترد على قصفه، وتضع حداً لأحلامه وطموحاته، وتبذل جهدها ما استطاعت لتعزز صمود أهلها، وتخفف من معاناتهم، وتحقق لهم الأمن والحاجة والاستقرار.
من حق رئيس السلطة الفلسطينية أن يزور قطاع غزة، وأن يلبي دعوة رئيس الحكومة الفلسطينية إسماعيل هنية، الذي وجه إليه دعوةً كريمة ومسؤولة، نابعة من إحساسه الشخصي الصادق، ومن مسؤوليته الوطنية والأخلاقية، تجاه شعبه وأهله، وانطلاقاً من مواقعه في الحكومة الفلسطينية رئيساً وفي حركة حماس قائداً ومسؤولاً، بأنه قد آن الآون لأن تنتهي حالة الإنقسام والفرقة القائمة، وأن يجلس الفلسطينيون معاً على أرض الوطن، وفوق بقعةٍ مباركةٍ وحرةٍ من أرض فلسطين، بعيداً عن الشروط والإملاءات، يناقشون فيها قضاياهم، ويقترحون حلولاً لمشاكلهم، ويتجاوزون معاً بعض الصعاب التي تعترض الإتفاق، وتحول دون اللقاء، فقد طال الخلاف، وتعمقت الأزمة، وتضرر الشعب والوطن، وتعطلت مصالح الناس، وتعقدت مشاكلهم، ولكن الظروف الإقليمية الضاغطة قد تغيرت، والشروط والعقبات قد زالت، فأصبحت الفرصة متاحة لأن يلتقي جناحا الوطن معاً، في غزة الحرة الأبية، وفق أجندة مستقلة، يقترحاها معاً، ويناقشاها معاً، على قاعدة المصالح الوطنية والحقوق الشرعية والتريخية للشعب الفلسطيني.
عندما قام إسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية بتوجيه دعوته إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لزيارة غزة، والاجتماع مع الحكومة الشرعية الفلسطينية، والتي وإن أُعتبرت مقالة، فإنها تبقى الحكومة الشرعية التي نالت دون غيرها ثقة المجلس التشريعي الفلسطيني، فتكون صفتها شرعية حتى تتشكل حكومة فلسطينية أخرى تنال ثقة المجلس التشريعي، فحتى يتحقق ذلك تكون حكومة إسماعيل هنية هي الحكومة الفلسطينية الشرعية، صاحبة الحق بإدارة شؤون الوطن، وتسيير الحياة فيه، ومن حقها أن تلتقي رئيس السلطة الفلسطينية بصفتها العتيدة لتناقش معه قضايا الخلاف وسبل الوفاق.
ولكن رئيس السلطة الفلسطينية قد وأد الدعوة بعد أن قبل بها مرحباً، وبعد أن أشاع قبوله لها أجواءاً من التفاؤل والفرح لدى جموع الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، إيذاناً بقرب إنتهاء الأزمة، وتحقق الوحدة والاتفاق، إذ ليس من المنطق والحكمة والعقل، أن يقوم رئيس السلطة الفلسطينية بالتوجه إلى غزة، لإعلان حل الحكومة فيها، وتشكيل حكومةِ تكنوقراط جديدة، تشرف على الانتخابات التشريعية والرئاسية، لتنتهي صلاحياتها خلال مدةٍ محددة يكون أجلها إجراء الانتخابات، دون أن يكون بينهما حوارٌ ومفاوضات، فكما أن السيد إسماعيل هنية قد قام بخطوةٍ جريئة تجاه محمود عباس، فإن الأخير كان من الأنسب أن يرسل رسائل إيجابية بين يدي اللقاء، وأن يبحث عن نقاط التوافق والتفاؤل، بدلاً من أن يخاطب العالم ويقول أنه ذاهبٌ إلى غزة فقط لتشكيل حكومة تكنوقراط، وأنه لن يفاوض ولن يناقش، فهو بهذا يكون قد حكم على المبادرة بالفشل، وأضاع بارقة الأمل التي لاحت، وأفقد هنية إقباله وحماسه للدعوة واللقاء.
رئيس الحكومة الفلسطينية يدرك أن الأزمة بين رام الله وغزة، إنما هي أزمة بين فريقين وتيارين، ولكلٍ منهما وجهة نظر وشروط ورؤى مختلفة، وهي ليست مشكلة بين شخصين، ولهذا كان ينبغي على رئيس السلطة الفلسطينية بعد أن رحب بالدعوة، أن يعلن استعداده بكل رحابة صدر لمناقشة كل القضايا الخلافية، وأنه سيكون مرناً في تجاوز كل العقبات والصعاب، وأنه سينظر بروحٍ إيجابية ومسؤولة تجاه مصالح شعبه ووطنه، وأنه لن يستجيب لأي شروطٍ خارجية، ولن يخضع لأي محاولاتٍ لثنيه عن تحقيق المصالحة، وجمع كلمة الشعب في الداخل والخارج، ولو أنه بادر خلال الأيام القليلة الماضية ببعض الخطوات التي تشجع وتقرب، والتي تزرع الأمل وتخلق الثقة، فأطلق سراح بعض المعتقلين من سجونه في رام الله، وأوقف الملاحقات الأمنية لنشطاء ورموز حركة حماس في الضفة الغربية، وخفف من إجراءات التضييق التي تمارسها أجهزته الأمنية ضدهم، فإنه كان سيجد ترحيباً أكبر، وشغفاً أشد لاستقباله على مشارف غزة، وفي قلوب أهلها، فإن كان من حق إسماعيل هنية أن يوجه من مواقعه الرسمية الدعوة إلى محمود عباس لزيارة غزة، وهو الرجل الصادق في أقواله وأفعاله، المرهف الحس، الرقيق المشاعر، المهموم بمعاناة أهله، والمسكون بحبهم، والقريب منهم، والساكن في مخيماتهم، والمضحي من أجلهم، فإن من حقه على ضيفه ألا يحرجه، وألا يفسد مبادرته، وألا يجردها من مضمونها وحقيقتها، وألا يجعل منها مدخلاً لتسجيل النقاط الصغيرة تجاه مضيفه.
الفرصة لم تضع، والوقت لم يفت، والدعوة قائمة، ومازال الأمل كبيراً في نجاح الزيارة وإتمام المصالحة، وتحقيق اللقاء بين كل الأطراف، فما على الرئيس عباس بعد أن يقوم ببعض الخطوات الإيجابية تجاه شعبه، فيفرج عن المعتقلين، كلهم أو جلهم، سوى أن يبادر بالإعلان بأنه ذاهبٌ إلى غزة ملبياً دعوة رئيس حكومته الأصيل، ليناقش معه بكل نيةٍ سليمة هموم الوطن، ومشاكل الشعب، ليضع وإياه نهايةً للإنقسام، وبدايةً لعهدٍ جديد، يقوم على الحب والتفاهم والقبول، على قاعدةٍ أصيلة من مصالح الشعب والوطن، في تأكيد حلمها النصر والعودة والتحرير، فهذه فرصته الذهبية ليعود من بوابة غزة إلى وطنه وشعبه، مؤمناً بخياراتهم، ومسلماً بنهجهم في الصمود والمقاومة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق